كيف تبرمج وعيك
بالإمكان تشبيه العقل الباطن بجهاز كمبيوتر ذو مستوى عالٍ من التطور، ولأجل فَهم الوعي. يجب تثبيت برنامج على القرص الصّلب لأجل معرفة الكمبيوتر ما الذي بإمكانه القيام به. عندها يقوم الكمبيوتر بالإستماع وبثقة عمياء فيؤدي المَهام التي يطلبُ منه البرنامج أن يقوم بها، بدون أي سؤال، حتى وإن كان البرنامج في بعض الأحيان يحوي القليل من العيوب والأخطاء.
والآن تخيَّلوا لثانية بأنّ وعيَنا هو شيء مثل قرص الكمبيوتر الصّلب وبأنّ جميع معتقداتنا وعاداتنا وردّات فعْلنا هي مثل البرامج.
نحنُ نجمَع على مَرّ حياتنا (بدءً من أيام الطفولة) أكواماً من البرامج التي تُبرمِجُنا لأجل أن نتصرّف ونفكِّر بطريقةٍ معيّنة، طريقة تحدِّدها وتُعرِّفها الثقافة والبيئة التي ننشأ فيها، أهلُنا، أصدقاؤنا، والإعلام، إلخ… ثمّ نقومُ بحَمْل هذه البرمجة والقَولبة بداخلنا بشكلٍ أوتوماتيكي. نحن لم نطلُب أنْ نُبَرْمَج تماماً كما قرص الكمبيوتر الصلب الذي لا يملكُ رأياً في اختيار البرامج التي يثبّتها المستخدِم بداخله، كذلك نحن لم نختَر أيّ برامج سوف تُلقى فينا وعلينا.
أما التحدي هنا فيكمُنُ في أنّ براءة العقل الباطن ليس بمقدوره التمييز ما إذا كان البرنامج (التشفير) مفيداً أو مؤذياً للحفاظ على وجودها.وتقوم أداتنا (العقل) بتثبيت هذه البرامج بسهولةٍ بدون تردُّد أو فَهم. بإمكاننا ملاحظة هذا الأمر من خلال ردّات فِعلنا الأوتوماتيكية الآلية اللاواعية على مواقف معيّنة أو أناس معيَّنين، فنظُنّ بأنّ ما فعلناه “لم يكن لطيفاً، ليتني تجاوَبْتُ بطريقةٍ مختلفة مع هذا…”
حقيقة الأمر هي أنه بإمكاننا تحقيق ما نريده لكننا سنستمرُّ برؤية النتائج القديمة ذاتها إنْ استمرّينا بالتمسُّك بذات البرامج المنتهية صلاحيتها داخل عقلنا اللاواعي. سوف تستمرُّ أفكارٌ وأفعالٌ معيّنة بالإندفاع في طريقنا دون أن نختارها بوعي. يبدو الأمر أحياناً وكأننا مُسَيَّرون كالآلة.
حينما أجدُ الكمبيوتر لا يكفُّ عن إعطائي ذات النتائج الغير مرغوب فيها، فإني أعلم بأنّ الوقت قد حان لترقية برامجه وتحديثها. بإمكاننا فِعل الأمر ذاته مع وعينا.
ما يهُمّ في هذه اللحظة هو أن نقوم بإلغاء هذه البرامج الآلية المُبَرمَجة.
يعملُ برنامج مضاد الفيروسات كأداةٍ نافعة في هذا الشأن بالنسبة للكمبيوترات. إنّ وظيفة برنامج مُضاد الفيروسات هو البحث داخل القرص الصّلب عن برامج مؤذية وغير نافعة، عن فيروسات أو برامج انتهت صلاحيتها. وعندما يُحَدِّد مضاد الفايروسات وجميع البرامج الغير نافعة، يقوم بمَحوِها ثمّ بإعادة تشغيل الكمبيوتر والنتيجة هي نظام تشغيل جديد منتعش يعمل بشكلٍ أسرع وبكفاءة.
هذا تشبيهٌ مُساعِد حينما نريد أن نصِف الأنماط الذهنية اللاواعية التي نقابلها في حياتنا. وهناك أساليب كثيرة بإمكاننا من خلالها إلغاء التشفير الذهني اللاواعي مثل : -
تقنيات تأمُّل متنوعة، تقنيات لمساعدة النّفس وتمرينها، وغيرها. وواحدة من هذه الطُّرُق الأكثر فعالية والمُشابِهة لبرنامج مضاد الفيروسات بشكلٍ لافِت، هي مراقبة الأفكار التي تتجسَّد في عقولنا والمعتقدات التي وَحَّدنا هويتنا معها في حين أنها ما عادَت مفيدة لنا.
الأمر الدقيق الذي يواجه الإنسان خلال اكتشافه لوعيه هو أننا نتعامل مع طاقات ليس بإمكاننا أن نراها والتي من الصعب حتى الإحساس بها. ومع هذا، بمقدورنا مراقبة العلامات التي تدُلُّنا على وجود برامج منتهية الصلاحية تعمل داخل عقولنا. تأتي هذه الإشارات على شكلِ الأفكار التي نُفَكِّرُ بها. بمجرد ان نتمكّن من مراقبة الأفكار السلبية التي تأخذ مكانها بداخلنا، يصبح بإمكاننا الإسترخاء عالِمين بأنها تأتي من البرمجة اللاواعية التي علينا التوجُّه إليها.
مع المراقبة، يصبح بإمكاننا ملاحظة أنّ هذه الأفكار السلبية نابعة من معتقد محدود دخلنا فيه مرات عديدة منذ فترة بعيدة دون أن نعي ما هو أفضل منه. لقد اعتقدنا أنه سوف يساعدنا حتى نكون أكثر سعادة إن نحنُ صدَّقناه.
يبرزُ أحياناً ندمٌ على ما حدث من دخول في هذا المعتقد المحدود وبالتالي مقاومة من جانبنا فنرفض تركه حتى يرحل في سلام، وهذ ما عليه أن يجعلنا نتذكر بأننا لم نكُن نملُك خيَاراً حينما صدَّقنا هذا المعتقد ولا سيطرةً عليه. وعندما نعي بأنّ تمَسُّكنا وتشبُّثنا بالأفكار والمشاعر السلبية هو مَا يجعلنا مَرضَى في الحقيقة، فسوف نتحلّى بالشجاعة الكافية لأجل مسامحة أنفسنا والإستسلام فالإسترخاء وعدم التمسُّك بشيء.
بإمكاننا تطبيق هذه التقنية في البحث داخل أنفسنا عن معتقدات تحُدُّنا وبرمَجات سيئة، في جميع نواحي حياتنا وفي جميع الأوقات. بإمكاننا تطبيق هذه التقنية دون توَقُّف على الأفكار التي تجري داخل رؤوسنا. لسنا في حاجة لأشياء لا تفيدنا حتى تسيطر علينا. بإمكاننا إعادة برمجة العقل على مستوى عميق وأن نختار إفهام أنفسنا بوعي وإيجابية. مع التطبيق واليقظة، سوف تساعدنا هذه التقنية على تطهير جميع ما يحجِبُ عنّا نفْسنا الحقيقية.
لسنا ما نعتقده عن أنفسنا، لسنا أفكارنا. وبمجرد ان تتلاشى غيوم الوهم، تتجلّى نفْسنا المُشِعّة المضيئة. هذه النّفس الحقيقية التي لطالما كانت موجودة منذ البداية.
رايان براون، مُعَلِّم تأمُّل، كاتب وشافي طاقي.