بحر الوعى
خرج عالم بيولوجي من جامعة "كامبرج" يدعى "روبرت شيلدريك" ، معلناً عن نظريته "الحقل المورفوجيني" Morphogenic Field . و قال أن الدماغ ليس سوى قناة تواصل مع العقل و ليس هى مكان وجود العقل ولا الذاكره يعنى المخ او الدماغ ليس هو مصدر العقل والوعي لكنه هو أداة ظهور للعقل والوعي وعمله من خلاله .. فالدماغ ليس مصنع الأفكار الأساسي بل هو فقط قناه استقبال واتصال مع العقل الكونى .
و قد أعطى مثال على ذلك بجهاز التلفزيون ، الذي يستقبل الإرسالات المختلفة ، لكنه ليس مصدر تلك الارسالات فإذا أصيب التلفزيون بعطل ما و لم نستطيع الحصول على صورة صافية أو حتى أي صورة على الإطلاق ، هذا لا يعني أن الإرسال لم يعد موجوداً في الأثير .
و قد أعطى مثال على ذلك بجهاز التلفزيون ، الذي يستقبل الإرسالات المختلفة ، لكنه ليس مصدر تلك الارسالات فإذا أصيب التلفزيون بعطل ما و لم نستطيع الحصول على صورة صافية أو حتى أي صورة على الإطلاق ، هذا لا يعني أن الإرسال لم يعد موجوداً في الأثير .
ويسرد لنا العالم "ليال واتسون" ، في كتابه " تيار الحياة" عام 1970م عن حادثة وقعت على جزيرة يابانية ، سمى هذه القصة بمبدأ "عدوى المئة قرد" ، حيث قام الباحثون بإطعام القرود حبات البطاطا كغذاء يومي ، و قد أحبّ القرود هذا الغداء الجديد الذي لا يعرفونه من قبل ، لكنهم لم يحبوا رمال الشاطئ التي كانت تتعلّق بالحبّات ، فقام أحد القرود بغسل حبة البطاطا في مياه البحر قبل أن يتناولها ، و اكتشف أن طعمها أصبح أفضل بسبب زيادة ملوحتها نتيجة تغطيسها في المياه المالحة ، فراح القرد منذ ذلك الوقت يأكل البطاطا بعد تغطيسها في ماء البحر . لكن بعد فترة من الزمن ، و على الجانب الآخر من الجزيرة ، راحت القرود الأخرى تستخدم نفس الطريقة في الحصول على البطاطا المالحة ، مع العلم أنهم لم يتواصلوا مع القرد الأول الذي هو صاحب الفكرة . و بعد فترة من الزمن ، و في جزيرة أخرى يعيش فيها قرود أخرى ، نشأت هذه العادة (أكل البطاطا المالحة) بين القرود ، و بالرغم من أنهم يعيشون في الغابة بعيداً عن الشاطئ ، وأصبحوا يسافرون من الغابة إلى الشاطئ لكي يغطسون حبات البطاطا من أجل الحصول على الملوحة .
كيف انتشرت هذه الفكرة بين القرود بالرغم من تلك الحواجز الطبيعية التي يستحيل تجاوزها ؟
وقام شيلدريك بتجارب أخرى لإثبات نظريته
فجاء شيلدريك بفزورتبن مختلفتين تتمحور كل فزوره حول ( البحث عن الصورة الضائعة ) .
فجاء شيلدريك بفزورتبن مختلفتين تتمحور كل فزوره حول ( البحث عن الصورة الضائعة ) .
و قام بإظهار إحدى هاتين الفزورتين على شاشة التلفزيون ، أمام الملايين من المشاهدين . ( في محطة البي . بي . سي التلفزيونية ) و قام بحلّها أمام هذا الكم الهائل من المشاهدين . أما الفزوره الثانية ، فقد جال بها فريق من الباحثين في الشوارع و المناطق العامة و قاموا بحلّها أمام بضعة مئات من الناس .
إذاً ، أصبح لدينا الآن فزورتين ، إحداها قد تعرّض للملايين من العقول و تعرّفوا على طريقة حلها ، و الأخرى تعرّضت للمئات من العقول و تعرفوا على طريقة حلها .
قام بعدها فريق من الباحثين بالسفر إلى مناطق نائية من العالم ، حيث لم يكن التلفزيون مالوفاً بينهم . وبعد عرض هاتين الفزورتين على السكان المحليين كانت النتيجة أنهم تمكنوا من حلّ الفزوره التي عرضت على شاشة التلفزيون بسهولة تفوق تلك التي عرضت للمئات فقط .
وهذا أثبت أنه كلما ازداد عدد الناس المشتركين في فكرة معيّنة ، كلما كان لهذه الفكرة انطباع أعمق في العقل الجماعي ، مما يؤدي إلى ازدياد قوة تأثيرها على جميع الشعوب بشكل لاواعي
فتوصل شيلدريك الى أن السلوك الطبيعي أو الغريزي تنظمه الحقول السلوكية و إن نشوء عادات سلوكية لدى الحيوان يعتمد على الرنين المورفي الذي يشكّل "ذاكرة جماعية" لكامل أعضاء فصيلته. ومن الممكن أيضاً أن يهيئ اكتساب الحيوان لبعض العادات إلى انتقال هذه العادات إلى الحيوانات الأخرى من النوع نفسه، حتى مع عدم وجود أي وسيلة للاتصال والتواصل. وهذا يفسر أن تعلم الجرذان لحيلة جديدة في مكان ما، قد جعل الجرذان الأخرى في أماكن أخرى (قد يفصل بينها بحور ومحيطات شاسعة) قادرة على تعلم نفس الحيلة بشكل أسهل.
و شيلدريك، يرى أن سبب الفشل المستمر في تحديد مكان الذاكرة في الدماغ بسيط جداً، فيقول: "إنها غير موجودة هناك أصلاً"، ويضيف: "إن بحثك داخل جهاز التلفاز عن أثر البرامج التي كنت تشاهدها في الأسبوع الماضي محكوم بالفشل لنفس السبب، يتم توليف الجهاز لاستقبال البث التلفزيوني لكنه لا يخزّنه". صحيح أن إصابة مناطق معينة من الدماغ قد يُحدث ضعفاً في الذاكرة بطريقة ما، ولكن هذا لا يثبت أن الذكريات المعنية مخزنة في تلك الأنسجة. وبنفس الطريقة، فإن أي ضرر يصيب أجزاء من دارات التلفاز قد يشوه الصورة أو يلغيها، ولكن هذا لا يثبت أن الصورة مخزنة داخل الأجزاء أو الدارات المتضررة.
حسب هذه النظرية "المورفوجينية"، فإن كافة الأنظمة المختلفة الموجودة في الطبيعة تخضع لعقل جماعي خاص بها، وهذه العقول الجماعية تنظّم وتدير نمو وتطوّر تلك الأنظمة كل حسب موقعه في السلّم التراتبي الموجود في الطبيعة، أي ابتداء من الذرّات إلى الكريستالات إلى الخلايا إلى الأعضاء إلى الكائنات الحية إلى الفصائل التي تنتمي إليها تلك الكائنات الحية... وهكذا، جميع هذه الوحدات المتسلسلة من المستوى الذرّي حتى المستوى الطبيعي محكومة بمجالات مورفوجينية خاصة بها، وهذه الحقول الموفوجينية تحتوي على نوع من الذاكرة الخاصة بخبرات هذه الوحدات وتدير سلوكها ونموها بناء على هذه المعلومات التي تخزّنها في طياتها بطريقة ما. فهي المسؤولة عن التكرار والتطابق في سلوك تلك الوحدات المتسلسلة بحيث كل وحدة (حتى على المستوى الذرّي) تعلم ما عليها فعله وكيف تتصرّف حيال ظروف معيّنة وحالات محددة.
هل نحن نبالغ عندما نقول إنَّ عقل الإنسان هو ليس سوى جزء صغير من مجال عقلي كبير، والإدراك هو ليس سوى عملية تبادل المعلومات مع ذلك المجال المعلوماتي العملاق؟ أعتقد أنه سوف يأتي الوقت الذي يكشف لنا عن سرّ تلك الظاهرة التي تتجلّى بتخزين المعلومات وانتقالها في هذا المجال الكوني العظيم. نحن نشكّل أجزاء صغيرة من منظومة كونية شاملة، لها غاية وهدف، وهناك سبب من وجودها، وهذه المنظومة تخضع، دون أدنى شكّ، لإدارة عاقلة تعلم جيداً ماذا تفعل وكيف تتصرّف
اعتقد العاملون في العلوم الروحية والمذاهب الصوفية المختلفة، بالإضافة للفلسفات الشرقية، بوجود ذاكرة كونية تحتوي على جميع المعلومات المتعلقة بالأحداث والأفعال والأفكار والمشاعر وغيرها من انطباعات بشرية مختلفة حصلت منذ بداية الوجود. قالوا إن جميع هذه المعلومات المتنوعة محفوظة في حقل معلوماتي عملاق، ضوء خفي يوصفه بعض الروحانيين بأنه نوع من الأثير، مادته مجهولة، يكمن ما وراء حواس الإنسان. وادعى هؤلاء بأن عملية التواصل معه قد اقتصرت على الوسطاء الروحيين ذات المواهب الفكرية المميزة (مثل المستبصرين والعرافين، وغيرهم من وسطاء). ويزعم بعض الفلاسفة والمفكرون (القدماء والعصريون)، أن هذا الكيان المعلوماتي الخفي هو المصدر الذي تنبثق منه "قوة الإرادة" التي تحث الإنسان على توجهات محددة في أفعاله وأفكاره ومشاعره وخياله وغيرها من انطباعات أخرى في جوهره. هو المحرّك والموجّه لكل شيء في الوجود...
ويعتبر هذا الكيان عند البعض مخزون عملاق للقوى السحرية، وأنه بحر عظيم من الوعي، يتصل بجميع العقول ويتواصل معها. وهذا ما جعل ظاهرة الإدراك الخارق ومعرفة الغيب وتحريك الأشياء عن بُعد وغيرها من إنجازات عقلية ممكنة.
تشير بعض التعاليم والفلسفات الروحية الشرقية (خاصة الهندوسية) إلى هذا الكيان باسم "أكاشا". وتقول إنه يشكل عنصر أساسي من عناصر الوجود. وأدخلوه إلى مجموعة العناصر التي تتألف منها الطبيعة: (النار، الهواء، الماء، التراب، وأكاشا).. إنه العنصر الخامس. يتألف أكاشا، بمفهومهم الفلسفي، من مادة أثيرية خاصة يمكنها حفظ سجلات الكون المعلوماتية. هذه السجلات تحتوى على جميع المعلومات التي تخص الكون منذ بداية الوجود ولن تزول أبداً، وستبقى حتى نهاية الوجود.
والفلسفه الصوفيه تطلق عليه اللوح المحفوظ والفلسفه المسيحيه تطلق عليه كتاب الحياه
نجد أيضا أن الكثير من المفكرين العصريين قد اقتربوا من هذا المفهوم أيضاً. واستخدموا مصطلحات مختلفة من أجل تعريف هذا الكيان ألمعلوماتي الخفي.
ـ فأشار إليه الدكتور "ريتشارد.م. بروك" (1837م ـ 1902م) بـ"الوعي الكوني"، وجعله عنواناً لكتابه الشهير. وصف هذا الكيان الخفي بالضوء.. ضوء غير قابل للوصف.. ضوء نادر غير مألوف.. ضوء يكمن وراء الكلمات واللغة مما يصعب شرحه. وقال إنه هناك حالات معيّنة يمكن أن يتواصل معه أشخاص معيّنون، بشكل عفوي.. فجائي.. دون سابق تحضير أو إدراك. فيشعر بأنه مغمور بما يشبه غيمة أو لهب غامض، ويترافق ذلك مع شعور بالابتهاج والنشوة.. حالة تنوّر.. تكشف خلال لحظات معدودة عن حقيقة الكون.. والقصد من الوجود.. ويدرك كل ما هو غامض على الإنسان.. يدركه خلال هذه الفترة الزمنية التي لا تتجاوز لمحة البصر...
يعلم الشخص الذي يدخل هذه الحالة بأن الكون هو حيّ.. وأن الحياة هي حالة أزلية.. وروح الإنسان لا تموت.. وأساس الحياة هو الحب.. وأن السعادة هي هدف الإنسان.. وسيدركها في النهاية.. آجلاً أم عاجلاً. الخوف من الموت يزول.. الشعور بالخطيئة تزول.. في هذه اللحظات القليلة، تتغيّر شخصية الإنسان.. وتصبح أكثر فتنة ووداد.. في هذه اللحظات بالذات، يتعلّم الإنسان أشياء كثيرة لا يستطيع تعلّمها في حالته العادية مما يتطلّب ذلك سنوات طويلة من الدراسة والبحث في هذا المجال
يعلم الشخص الذي يدخل هذه الحالة بأن الكون هو حيّ.. وأن الحياة هي حالة أزلية.. وروح الإنسان لا تموت.. وأساس الحياة هو الحب.. وأن السعادة هي هدف الإنسان.. وسيدركها في النهاية.. آجلاً أم عاجلاً. الخوف من الموت يزول.. الشعور بالخطيئة تزول.. في هذه اللحظات القليلة، تتغيّر شخصية الإنسان.. وتصبح أكثر فتنة ووداد.. في هذه اللحظات بالذات، يتعلّم الإنسان أشياء كثيرة لا يستطيع تعلّمها في حالته العادية مما يتطلّب ذلك سنوات طويلة من الدراسة والبحث في هذا المجال
ـ و وصف هذه الحالة أيضاً الفيلسوف "أبراهام هـ.ماسلو" (1908م ـ 1970م). وأطلق عليها اسم "تجربة القمة" أي يصبح فيها الشخص في قمة التجربة الروحانية.
- ووصف هذه الحالة أيضاً الفيلسوف وعالم النفس "وليام جيمس"، وسماها بالحالة الروحانية، أو التجربة الروحانية.
- و عند نهاية القرن التاسع عشر، فإن فكرة "القوة الإحيائية الدينامية" أو "الجوهر الكوني" قد نهضت من خلال شذرات المفاهيم والنظريات الميتافيزيقية والهرمزية القديمة، وبدأت تدخل في مرحلة التحليلات المنطقية والمنهجية. وهنا يتوجب علينا بالتأكيد الاعتراف بفضل بعض المجتمعات والحركات السحرية القديمة ومجموعات فكرية من أمثال "الثيوسوفيين" Theosophists لقيامها بحمل مشعل هذه الأفكار عبر الزمن حتى يومنا هذا.
- و في العام 1875، أثناء الفترة التي اعتبرت قمة رواج الحركة الأرواحية Spiritualism، تم نشر كتاب بعنوان "الكون غير المرئي" The Unseen Universe أثار هذا الكتاب حالة من الهياج بين العلماء
هذا الكتاب هو من تأليف كل من "بي.جي تايت" P.G. Tait و"بلفور ستيوارت" Balfour Stewart وهما فيزيائيان اسكتلنديان ذوي مكانة رفيعة في ذلك الوقت. يقول هذا الكتاب انه
يكمن عالم كامل غير مرئي وسط العالم الفيزيائي الذي نحس به ونلمسه كل يوم. علاوة على ذلك، قد يحتوي هذا الكونِ الخفي على قواه الخاصة، نموذجه الخاص من الطاقة، وقوانين العمل الخاصة به.
هذا الكتاب هو من تأليف كل من "بي.جي تايت" P.G. Tait و"بلفور ستيوارت" Balfour Stewart وهما فيزيائيان اسكتلنديان ذوي مكانة رفيعة في ذلك الوقت. يقول هذا الكتاب انه
يكمن عالم كامل غير مرئي وسط العالم الفيزيائي الذي نحس به ونلمسه كل يوم. علاوة على ذلك، قد يحتوي هذا الكونِ الخفي على قواه الخاصة، نموذجه الخاص من الطاقة، وقوانين العمل الخاصة به.
بعد هذا الكم الهائل من النظريات والاكتشافات الجديدة، أصبحنا أمام خيارين، إما أن نكتفي بمعتقداتنا ومسلّماتنا الخاصة الضيّقة التي صُمّمت أساساً لتفرّقنا عن بعضنا البعض، أو نتوحّد جميعاً حول فكرة أن الكون بأكمله هو كائن واحد وعقل واحد وكيان فيزيائي واحد مؤلّف من تداخل وتفاعل كل من عنصري الأيثر الكامن ما وراء المادة، والمادة الصلبة المتجسّدة بأشكالها المختلفة. جميع التعاليم الروحية حول العالم تقول لنا بأن الله ينشد الوحدة، الاتحاد والتواصل، وجميعهم يربطون هذه الفكرة مباشرة بمفهوم الرنين المتناغم.