الله قادر على خلق الكاميرا والتسجيل في عصر سيدنا محمد لتوثيق كل تعليماته وتفسيره للقرآن فما هى الحكمه من عدم حدوث ذلك ؟؟
السؤال عن حكمة عدم وجود تكنولوجيا في عصر النبي ﷺ لتسجيل تفسيره للقرآن ، يُلامس جوانب عميقة من الحِكَم الإلهية التي تتعلق بطبيعة الرسالة الخاتمة، واختبار البشر، وحفظ الدين.
و هذا يندرج تحت مفهوم "الحكمة الإلهية" التي قد لا ندركها بالكامل، لكن يمكننا التفكير في بعض الأسباب المحتملة من منظور ديني وعقلي ، و إليك الإجابة مُرتَّبة في نقاط:-
1️⃣- إظهار صدق الوحي بالوسائل البسيطة لإثبات ان الله هو الحافظ
- حفظ القرآن والسنَّة بلا تكنولوجيا معجزةٌ تدل على صِدق الرسالة، لأن بقاءهما قرونًا دون تحريفٍ –رغم بدائية الوسائل– دليلٌ على أن الحفيظ هو الله، وليس البشر. فعدم وجود التكنولوجيا هو إثبات إن حفظ الدين هو بتأييد الله وليس بقوة الوسائل الماديه
-
2️⃣- لم يخلق الله التكنولوجيا وقتها لكى تفهم ان عليك مسؤليه التدبر والبحث والدراسه في علوم الدين و لتعظيم دور الأمة في الحفظ ، جعل الله الأمةَ نفسها حافظةً لرسالة النبي ﷺ، فقال تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: ٩).
فالقرآن محفوظ بالوحي، أما السنَّة فحُفِظت بجهود العلماء عبر العصور، مما يُبرز دور الأمة في استمرار الرسالة. لو ظهرت الكاميرات قديمًا، لَخُفِّف هذا الجهد العظيم الذي شكَّل هوية الأمة العلمية والأخلاقية.لكن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون حفظ السنَّة عبر الجهد البشري لتعظيم دور الأمة،
لأن جزء من مسؤليتنا أمام الله هو نقل السنه وتعاليم الدين عبر الأجيال ، وجزء من مسؤليتنا هو التدبر في القرأن والبحث ، فلو كان تفسيره مسجل من الرسول أو الصحابه ما كان أحد اجتهد وتدبر فيه
3️⃣- القرآن كتاب هداية، وليس مجرد نصوص مسجَّلة
- القرآن لم يُنزَل ليُختزَل في تفسيرٍ مسجَّل، بل ليُفهَم على مر العصور بمنهجية مرنة تواكب تطور العقل البشري.
- وجود تفسير مسجَّل للنبي ﷺ قد يُحدِث **جمودًا في الفهم**، بينما القرآن صالح لكل زمان ومكان، ويفتح أبوابًا للاجتهاد في فهمه، كما قال تعالى: **{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}** (ص: 29).
إبقاء الدين مرناً صالح لكل عصر هو من مميزات عدم وجود تسجلات للرسول ، فلو كانت هناك تسجيلات مصوره ، ربما لركز الناس على الشكل والمظهر أكثر من الجوهر ، بينما غياب الصوره سمح للمسلمين بالتركيز على المعانى والمقاصد بدلاً من التفاصيل الماديه وبذلك يتحقق المرونه والإستيعاب
4️⃣- الاختبار الإلهي مرتبط بطبيعة المرحلة
- لو سُجِّل تفسير النبي ﷺ للقرآن بتفاصيله عبر تكنولوجيا، لَاخْتُصِر اختبار الأمة في التطبيق الحرفي للنص المسجَّل، بينما أراد الله أن يكون الاختبار **أشملَ**، مرتبطًا بفهم النصوص، والاجتهاد في تطبيقها عبر العصور، مع الحفاظ على الثقة بنقل الأمة.
- قال تعالى: **{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ}** (آل عمران: 154). فالمطلوب ليس مجرد الاتباع الآلي، بل **الإيمان عن يقين**، والتفاعل الحيوي مع النصوص.
فهذا هو إختبار الايمان بالغيب
الإيمان بالغيب ليس مرتبطًا بوجود أو عدم وجود دليل مادي، بل هو **التسليم الكامل لله** في كل ما أخبر به، سواء شاهده الإنسان أم لم يشهده. الصحابة اُختُبروا بالمعاينة، ونحن اُختُبرنا بالنقل، وكلٌّ له حكمة الله في ابتلائه. والله أعلم.
5️⃣- حفظ الدين بالوسائل البشرية جزء من التكريم
- جعل الله حفظَ القرآن والسنَّة بجهود الأمة (حفظًا، تدوينًا، تحقيقًا) تكريمًا لها، وإظهارًا لعظمتها في حمل الرسالة.
- لو حُفِظ التفسير بتكنولوجيا، لَضَعُف دورُ العلماء في الاجتهاد، ولَما وُجِدت علومُ التفسير وأصول الفقه وقواعد النقد التي بُنيت على الجهد البشري المخلص.
- قال النبي ﷺ: *«نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا»* (رواه الترمذي). فالنقل البشري ليس نقصًا، بل هو جزء من معجزة استمرار الدين
لكن الفكرة الأوسع هي أن الله اختار وسيلة حفظ الدين التي تتناسب مع حكمته في نشره واستمراره.
الإسلام لم يُحفظ عبر وسائل قابلة للتلف أو التلاعب (مثل الفيديوهات)، بل من خلال الحفظ في الصدور، والتدوين المبكر، والسند المتصل، مما جعل نقله دقيقًا وثابتًا عبر العصور.
لو كان هناك تسجيلات، قد يعتمد الناس عليها فقط دون البحث في المعاني أو تدبر النصوص، وربما تحدث مشكلات مثل التأويل الخاطئ أو عبادة الشكل بدلًا من اتباع الجوهر. فالإسلام أراد التركيز على الفهم والاستنباط وليس مجرد المشاهدة والتقليد الحرفي.
وجود تسجيل للنبي ﷺ قد يغير طريقة تلقينا للدين ويؤثر على طبيعة الاختبار الإيماني للأجيال اللاحقة. الحكمة الإلهية اختارت وسيلة حفظ تناسب طبيعة الرسالة وخلودها عبر الزمن، بحيث يكون الإيمان مبنيًا على قناعة عقلية وروحية، وليس مجرد مشاهدة مادية.
6️⃣-التكنولوجيا الحديثة اختبارٌ جديد، وليست حلاً مطلقًا
- وجود الكاميرات اليوم لا يمنع الضلال، بل أصبحت أداةً لانتشار الشبهات والتزييف، مما يجعل التمسك بالحق **أعظم أجرًا**.وهذا يتطلب من المؤمن الحرص على التميز بين الحق والباطل في زمن الفتن والتضليل
- قال النبي ﷺ: *«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ القابضُ عَلَى دِينِهِ كالقابضِ عَلَى الجَمْرِ»* (رواه الترمذي).
فالحكمة الإلهية أرادت أن يكون الثبات على الدين **اختيارًا حرًّا**، لا إكراهًا بتسجيلات.
وجود تسجيلات للرسول سوف لا يفيد بشئ لانه سوف لا يمنع التشكيك والضلال، بدليل ان ابو جهل وابو لهب عاصروا الرسول وسمعوه وشاهدوه ولم يؤمنوا بالله
- حتى لو وُجِد تسجيلٌ مرئي، لَبقِيَ البشرُ أحرارًا في قبول الحق أو رفضه، كما رفض كفار قريش رؤية المعجزات الحسية (كشق القمر) وقالوا:{سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}(القمر: 2).
7️⃣- حفظ القرآن والسنَّة كان كافيًا بمنهجية ربانية
- القرآن محفوظ بحفظ الله: **{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}** (الحجر: 9).
- السنَّة حُفِظت عبر آليات دقيقة (علم الحديث، الجرح والتعديل)، فلم تكن التكنولوجيا ضروريةً لحفظها، بل كانت **المحنةُ في النقل** اختبارًا لإخلاص الأمة
➖➖➖➖➖➖➖➖
8️⃣- الحكمة في اختلاف العصور
لو ظهرت الكاميرات في عصر النبوة، لَاختلفت طبيعة التفاعل مع الرسالة؛ فقد يُصبح التركيز على الصورة الظاهرة بدلًا من استيعاب الروح والمعنى. بينما حفظ السنَّة عبر النقل الحيوي (الرواية والدراية) أكسبها مرونةً في التطبيق، وقدرةً على مواكبة تغير الزمان والمكان، لأن النص المسموع أو المقروء يُفسح مجالًا أوسع للفهم والاجتهاد.
فالحكمه من عدم وجود تسجيلات هو تحمل مسؤليه حفظ آلدين بمنهجيه النقل الإنسانى ( الروايه والدرايه ) وهذا يعطى مرونه في التطبيق وفتح باب الإجتهاد لفهم النصوص وفق تغير الزمان والمكان ، لأن وجود تسجيلات كان سيحول الدين إلى نصوص جامده يتكأ فيها على الحرفيه دون الروح ، بينما المنهج الإسلامى جمع بين النص الثابت والفهم المتجدد
9️⃣- اختبار الإيمان والاجتهاد البشري
أراد الله تعالى أن يكون حفظ السنَّة النبوية عبر الجهود الإنسانية المخلصة، كالحفظ الشفوي والتدوين والتحقيق العلمي، ليكون ذلك اختبارًا لإيمان الأمة واجتهادها. فالعمل على نقل السنَّة بدقةٍ عبر القرون، ووضع قواعد علم الحديث لتمييز الصحيح من الضعيف، يُظهر عظمة المنهج الإسلامي في الحفاظ على التراث، ويُثمِر ثقةً في مصداقية النقل، ويربط الأمة بجذورها العلمية.
🔟- الابتلاء بالغيب واليقين
الإيمان بالغيب سمة المؤمنين، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة: ٣). عدم وجود تسجيلات مادية في عصر النبوة يزيد من قيمة اليقين القلبي، والاعتماد على النقل الموثوق، مما يُعمِّق الإيمان ويُربِّي الأمة على الثقة في نصوص الوحي دون حاجة إلى دليل مادي.
لماذا لم يُشترط الإيمان بلثقه في نصوص الوحى بدون دليل مادى على من عاصروا الرسول ؟؟
لأن هذا اختبار خاص بنا لكن الاشخاص الذى عاصرت الرسول وشاهدوه إختبروا بإختبارات مختلفه مرتبطه بظهور المعجزات الحسيه وكان إيمانهم مرتبط برؤيه الرسول مباشرا وتلقي الوحى منه ، أما من بعدهم فإختبار الإيمان انتقل إلى التسليم بالغيب بناء على النقل الموثوق ، كما قال تعالى ( والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك ) البقره 4
طبيعه اختبارهم إختلفت لان وجودهم مع النبي كان جزء من حكمه الله في تأسيس الدين ونقل تفاصيله ، أما عدم وجود تسجيلات مرئيه أو مسموعه فهو جزء من حكمه اخرى تتعلق بإختبار الأجيال اللاحقه.لأن الأجيال التى جاءت بعد ذلك كانت الحكمه أن يبقي الإيمان قائماً على التصديق بالأدله النقليه والعقليه دون الحاجه لرؤيه حسيه مباشره ، لأن الدين ليس مرتبطاً بزمان معين ، بل هو رساله للعالمين
بعد وفاه الرسول انتقلت الأمه إلى مرحله النقل والإجتهاد ، فأصبح الايمان بالرساله يعتمد على الثقه بنقل الصحابه ، مما جعل الإيمان بالغيب ( كإيماننا اليوم ) اعلى درجه ، لأنه مبنى على قبول النقل بدون معاينه
فالحكمه من عدم وجود تسجيلات هى إختبار الأمه بعدم وجود أدله ماديه يرفع درجه الايمان ، فعدم وجود تسجيلات ولا دلائل يجعل التمسك بالحق إختبار أعظم
11 عدم إرتباط الدين بزمان او مكان معين
الإسلام دين عالمى خالد ومستمر ، فلو كانت هناك تسجيلات مرئيه ، ربما لارتبط بفتره زمنيه معينه، او بثقافه معينه أو بيئه محدده ، بينما بقاؤه نصياً وشفوياً وحفظه في الصدور والتدوين جعله صالح لكل العصور دون تحجيمه في شكل معين وجعله ينتقل بسلاسه عبر العصور والثقافات
فمثلا لو كان الرسول صور طريقه الوضوء كانت الناس استخدمت نفس أدواته ونفس طريقه لباسه التى قد تكون غير متوافقه مع عصرنا الحالى وأصبحنا في مسؤليه اكبر وعلينا التقيد بتنفيذ ما شاهدنا بالظبط ، لكن اختلاف الأئمه في التفسير كان رحمه لنا وعذر
12- إظهار إعجاز القرآن والسنَّة
حفظ القرآن والسنَّة بغير وسائل تكنولوجية معجزةٌ بحد ذاتها، حيث بقيت السنَّة صحيحة عبر آليات دقيقة وضعها علماء الإسلام، كعلم الجرح والتعديل، مما يُثبت أن الله قد حفظ الدين بأسبابٍ تتجاوز الماديات، وتستند إلى الإرادة الإلهية المباشرة في توفير الأسباب البشرية المناسبة.
ظهور التكنولوجيا اليوم هو جزء من سُنَّة التدرج في الكون، واختبار لإيمان الناس واستخدامهم للمعطيات المادية في طاعة الله أو معصيته.
والحكمه الأعظم من عدم وجود تسجيلات للرسول هى في عدم اتخاذ هذه التسجيلات إلهاً يُعبد من دون الله ، فكان ممكن ان يتم تقديس صوته او صورته ويتحول إلى عباده كما حدث مع بوذا ،
والله أعلم بالحكمة الكاملة، وهو الحكيم الخبير الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون
هل الحفظ البشري أكثر دقة من التكنولوجيا؟
قد يبدو لأول وهلة أن التكنولوجيا أدق، لكنها ليست مضمونة للأنها معرضه للتلف وغير ثابته . بينما الحفظ البشري المدعوم بالنقل المتواتر، والتدقيق العلمي في النصوص، والصيانة المستمرة للقرآن والسنة، جعل الإسلام محفوظًا بأدق الطرق الممكنة.
الخلاصة
حفظ الإسلام في الصدور ليس مجرد وسيلة بدائية، بل هو نظام متكامل يجمع بين الحفظ الشفوي والكتابي بطريقة دقيقة ومستدامة عبر الأجيال. التكنولوجيا رغم قوتها، ليست وسيلة مضمونة للحفظ الدائم بسبب التطور السريع، وإمكانية التلاعب، والضياع، بينما الحفظ المتواتر والمستند إلى قواعد علمية أثبت فعاليته عبر 14 قرنًا دون تغيير أو تحريف.